المصالحة بين الجزائر والمغرب: نافذة واقعية أم مجرد تفاؤل إعلامي؟
2025-10-23 00:10:46أعاد تصريح المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في مقابلة تلفزيونية قبل أيام، الاهتمام بملف العلاقات الجزائرية-المغربية التي ظلت مجمدة منذ عام 2021، حيث كشف ويتكوف عن أن فريقه "يعمل الآن على الجزائر والمغرب" متوقعا التوصل إلى "اتفاق سلام خلال ستين يوما"، في إشارة إلى وساطة أمريكية قيد التبلور تهدف إلى كسر الجمود بين البلدين.
وقد أثار هذا التصريح اهتماما واسعا في الأوساط الدبلوماسية والإعلامية لأنه يمثل أول إشارة مباشرة من مسؤول أمريكي رفيع إلى مسار مصالحة محتمل، تزامنا مع اقتراب موعد إحاطة مجلس الأمن حول الصحراء الغربية وتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة (المينورسو) حتى 31 أكتوبر 2025، وهي محطة أممية غالبا ما تشكل اختبارا دوريا للمناخ الإقليمي العام بخصوص هذه القضية الشائكة.
وضمن هذا السياق، أصدرت جبهة البوليساريو بيانا رسميا عبرت فيه عن استعدادها "للدخول في مفاوضات مباشرة وجادة مع المغرب من دون شروط مسبقة"، في خطوة فسرتها الأوساط الأممية كإشارة مرونة غير معهودة من طرف دأب في الفترة الأخيرة على تبني مواقف توصف أحيانا بالمتشددة. وتتقاطع مختلف هذه التطورات لتشكل نافذة دبلوماسية محدودة، لكنها واقعية بما يكفي لتعيد تحريك ملف ظل مجمدا لأكثر من أربع سنوات.
وفي هذا الاطار، ينبغي التمييز بدقة بين المعطيات المثبتة وتلك التي لا تزال في حيز التقدير؛ فتصريح ويتكوف وإن كان موثقا بالصوت والصورة على قناة أمريكية، لكنه لا يعتبر التزاما دبلوماسيا رسميا، لكونه لم يصدر عن الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض بيان يؤكد وجود خطة زمنية محددة للمصالحة. في حين أن قرار مجلس الأمن رقم 2756 الصادر في 31 أكتوبر 2024، فقد مدد ولاية المينورسو عاما إضافيا وأكد على ضرورة البحث عن "حل واقعي وعملي ودائم قائم على التوافق"، محددا نهاية شهر أكتوبر 2025 موعدا لمراجعة شاملة له. وبالفعل فإن هذا القرار يشكل الإطار المرجعي الذي يمكن أن تستند إليه أي مبادرة تهدئة أو وساطة محتملة خلال الأشهر المقبلة.
أما موقف البوليساريو فقد شهد تطورا ملحوظا مع الرسالة الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 21 أكتوبر 2025، والتي تضمنت ما سمي "المقترح الموسع" وأكدت على استعداد الجبهة للتفاوض المباشر بإشراف المنظمة الدولية ولـ "تقاسم كلفة السلام" وعلى التزامها بخيار التسوية السلمية وتهيئة المناخ لإنهاء النزاع المزمن في الصحراء الغربية. من جانب آخر، لم يصدر عن الجزائر أو المغرب تأكيد رسمي لوجود وساطة أمريكية، لكن اللافت أنهما لم يسارعا إلى نفيها أو التصعيد ضدها، مما يوحي باستعداد مبدئي للتعامل الحذر مع الطرح المعبر عنه.
وعلى مستوى آخر، يقرأ عدد من المراقبين تصريح ويتكوف بوصفه مؤشرا سياسيا أكثر منه التزاما تفاوضيا؛ فالإدارة الأمريكية تدرك أن استمرار القطيعة بين البلدين يعيق التنسيق الأمني في غرب المتوسط ويعرقل جهود واشنطن لإعادة تفعيل التعاون الطاقوي مع شمال أفريقيا. كما أن الاتحاد الأوروبي يضغط منذ مطلع العام من أجل تخفيف التوتر بين الجارين لتأمين طرق الإمداد والمبادلات الإقليمية. وفي هذا السياق، ترى مجموعة الأزمات الدولية أن اللحظة قد تكون مواتية لصفقة محدودة تقوم على إجراءات بناء ثقة يمكن توسيعها لاحقا، شريطة أن تضبط الأمم المتحدة وتيرة التنفيذ وأن تظل الملفات السيادية الكبرى، وفي مقدمتها الصحراء الغربية، خارج نطاق المساومات المباشرة.
وما تجدر الإشارة إليه هنا، أن نجاح أي مصالحة محتملة يستلزم جملة من الشروط المتداخلة؛ أولها الفصل بين المسارين السياسي والثنائي، بحيث يمكن للبلدين استئناف الاتصالات الدبلوماسية والأمنية من دون أن يفهم ذلك كتراجع عن مواقفهما الجوهرية في ملف الصحراء. ثانيها وجود رعاة وضمانات موثوقة تضمن أن تكون خطوات التطبيع تدريجية وقابلة للتراجع إذا أخل أحد الطرفين بالالتزامات، مع حوافز اقتصادية متبادلة لتشجيع التقدم. وثالثها التزام الطرفين بانضباط الخطاب السياسي والإعلامي، فالمصالحة لن تنجح إذا تم تصويرها كغلبة طرف على آخر، مما يفرض تقديمها كخيار سيادي يخدم استقرار المنطقة برمتها. هذه الشروط، إن توفرت، يمكن أن تفتح مسار تهدئة منظم يعيد القنوات المقطوعة من دون المساس بالثوابت.
ومع ذلك، تظل الكوابح البنيوية كثيرة، فثوابت السيادة المغربية وموقف الجزائر المبدئي من تقرير المصير يشكلان سقفا صلبا لا يمكن تجاوزه، مما يعني أن أي تقارب في الأمد القريب لن يتجاوز إدارة الخلاف وتلطيف حدته. كما أن الذاكرة السياسية لا تزال مثقلة بتجربة 2024 حين جرى تسريب تقارير عن "مقترح تقسيمي" قوبل برفض قاطع من الطرفين ومن الأمم المتحدة على السواء، مما جعل فكرة "التسويات القائمة على اقتسام الإقليم" غير قابلة للطرح مجددا، نظرا لما أثارته من رفض قاطع لدى الطرفين ولتعارضها مع الموقف الأممي القائم على وحدة الأراضي وحق تقرير المصير. ينضاف إلى ذلك، أن الثقة ما تزال هشة بين الطرفين، بحيث يمكن لأي حادث حدودي أو تصعيد إعلامي أو توتر في الملف الحقوقي أن يبدد "زخم المصالحة" في لحظة.
وفي الأفق القريب، تتراوح السيناريوهات بين ثلاثة احتمالات؛ الأول هو تهدئة عملية من دون إعلان رسمي عن تطبيع، تقوم على إعادة القنوات الأمنية والدبلوماسية المحدودة وربطها بالمسار الأممي. الثاني هو تطبيع تدريجي مشروط بجدولة المائدة المستديرة تحت رعاية الأمم المتحدة قبل نهاية 2025، وهو السيناريو الذي يتطلب ضغطا أمريكيا-أوروبيا وحوافز ملموسة. أما الثالث فهو التعثر والارتداد إلى حالة الجمود الساخن في حال تصاعدت الخلافات أو تم تسريب مبادرات قبل نضوجها. وفي جميع الحالات، ستبقى مؤشرات النجاح الأولى مرهونة بصدور إشارات متزامنة من العاصمتين حول استئناف اتصالات على مستوى وزارتي الخارجية، أو السماح بترتيبات إنسانية وجوية محدودة، بينما يشكل أي تصعيد رسمي أو أي حادث حدودي نذير انتكاسة فورية.
من هذا المنطلق، يمكن النظر إلى ما يمكن أن يسمى بـ"مهلة الستين يوما" باعتبارها اختبارا دبلوماسيا لنوايا الطرفين، أكثر من كونها وعدا مؤكدا بمصالحة وشيكة. ومع ذلك فإن التصريح الأمريكي قد أطلق ديناميكية جديدة تستحق المتابعة، إن أحسن الفاعلون استثمارها بإجراءات خفض التصعيد وضبط الخطاب وتفعيل آلية مراجعة أممية دقيقة، فقد تتم ترجمتها إلى خطوة أولى نحو حوار مغاربي أوسع يعيد ترميم الجوار ويحد من كلفة التنافر. أما إذا أهدرت اللحظة في تبادل الشكوك أو استعراض المواقف، فسيعود الملف سريعا إلى حالة الركود التي أثبتت التجربة تعلق الطرفان بها وقدرتهما على التعايش معها.
مركز أودغست للدراسات الإقليمية
- 0
- 0