© Image Copyrights Title

حركة الحاج عمر الفوتي ... جهاد أم توسع ؟!

استمعت إلى الحلقة التي قدمتها وكالة الأخبار عن الشيخ الحاج عمر الفوتي ، وهي حلقة لا تخرج عن النسق التربوي الرسمي الذي يدرج الحاج عمر ضمن قائمة "رجال المقاومة المحليين" ، على الرغم من أنه ليس موريتانيا ، وكانت علاقته بهذه البلاد علاقة توسع وتمدد ، تنطوي على كثير مما يقال ، وهنا لا بد أن نتوقف عند عدة نقاط :
1- لا شك أن الشيخ العالم الحاج عمر تال من الشخصيات المؤثرة في غرب إفريقيا ، وقد ترك دويا ظل يسري عبر الأجيال اللاحقة في كل هذه البلدان ، وقد تركت حركته أثرا بالغا على الشعوب الإفريقية ، واختلفت النظرة حول حركته انطلاقا من خلفيات ومواقف من أيدوه أو عارضوه ..
2- لا يمكن أن نحاكم تلك الحقبة الزمنية بمقاييسنا المعاصرة ، فالكلام عن حركة كبيرة مؤثرة مثل حركة الحاج عمر تحتاج نظرة واسعة متجردة شاملة ، من باحث متمكن تدعمه بصيرة لا تعميها العواطف مؤيدا كان أو ناقدا ..
3- من الناحية الفكرية ؛ لا يمكن الحكم على مراحل الجهاد العمري بحكم واحد ، فقد نشأت حركته إصلاحية ، لكنها مع مرور الزمن ، والتمدد على الأرض ، يلاحظ أنها أصبحت تسير بجناحين : 
- ديني مذهبي متعصب ومتحمس لنشر الطريقة التيجانية ، على حساب غيرها ، وإلا فكيف يفسر قتاله لماسينا وكنته وتنواجيو ؟!
- عرقي يسعى لبسط النفوذ والتمكين للعنصر الفوتي على حساب غيره ..
ولولا ما شاب هذه الحركة من هذين الأمرين لكانت حركة جديرة بكل ما يقال فيها من الثناء والإطراء ... 
4- من الناحية العسكرية ، شكل الحاج عمر جيشا قويا ، مدفوعا بحماس ديني متين ، وترفده عصبية ساعدت في تماسكه وإيمانه بأفكاره ، وقد بدأ مجاهدا ، ولاقى من الفرنسيين ما لاقى ، ثم توغل شرقا تاركا لهم ما وراء النهر ، وتاركين له ما دونه عبر معاهدة أبرمها معهم ، وقد كان من مصلحة الفرنسيين أن يسمحوا لهذه الحركة الفتية  الشديدة الحماس بالتوغل ، ليرمو عصافير متعددة بالحجر العمري المندفع ، فقد تهاوت أمامه الممالك السودانية واحدة تلو الأخرى حتى وصل "ويتاله .. وصنصندي .. وسيكو ..وماصه ...الخ" ..
وفي هذه المرحلة يمكن أن نصف هذا التحرك بالجهاد ، لأنه ضد الوثنيين ، وقد دخل كثير من هذه الشعوب في الإسلام بفعل تأثير هذه الحركة - دينيا وعسكريا - 
وقد اهتم علماء البيظان بهذه الحركة وذاع صداها عندهم في كل مكان وتحمس الكثير منهم لها ، وتابعتها حوليات ولاته وتيشيت مسجلة تفاصيلها وسائر محطاتها ...
5- لقد كان فتح هذه الممالك إيذانا بالاحتكاك الفعلي بالكيانات القائمة آنذاك ، فكان وصوله لسيكو مؤذنا بالصدام مع إمارة ماسنة ، وافتتاح ماصة والاقتراب من باغنة مؤد لا محالة للصدام مع سلطنة  أولاد امبارك ، فكان ما كان ؛ حيث لم يكتف بفتح هذه الممالك الوثنية وإنما بدأ في التوسع والتمدد حيث ، حطم باغنة بحجة إعانة أولاد امبارك لبمباره الذين كانوا تحت إيالتهم وسلطتهم ، وحطم مدينة حمد الله عاصمة الماسنيين بحجج كثيرة سجلتها مراسلاته مع أميرها أحمد لبو الفلاني ، وقد قتله مع من لا يحصى كثرة ، مع شهادة جميع العلماء له بالعدل ، ومملكة ماسينا الإسلامية يمكن القول إنها هي التي نظّرت لحكم إسلامي وسياسة شرعية بواسطة كتابات الشيخ سيدي محمد الخليفة وإخوته وأبنائه ؛ وقد سجل كل هذه الصولات سيدي عبد الله ول انبوجه في نظمه لغزوات الحاج عمر ...
وقد جيّش سيد احمد البكاي الكنتي ماسينا والتوارك وغيرهم وزحف بهم نحو جيش الحاج عمر ،  حيث نصبوا له كمينا محكما قتلوا فيه قائده الشرس تشرينو بيلا ، وتوالت الضربات والهزائم  على الجيش العمري حتى وصلوا إلى مخبإ الحاج عمر في جبل فحاصروه ثم أحرقوه عليه فكانت نهايته ...
6- لم تكتف جيوش الحاج عمر بمهاجمة وتحطيم هذه الممالك ، بل توغلت شمالا ، معززة بحلفائها من بعض القبائل الحوضية الكبيرة  حتى وصلت إلى تيمزين حيث دارت ملحمة شرسة قتل على إثرها الأمير المختار الصغير بن سيد احمد بن المختار وعدد كبير ، وهاجم هذا الجيش قرية "تادّرْتْ" وعاثوا فيها فسادا حيث قتل اثنان من أبناء الطالب أحمد بن محمد راره وغيرهم وهم في محاريب العبادة والتعليم ، وليسوا في ميادين القتال ..
ومن العجائب أن يوجد في ذلك الزمن بعض الفقهاء يسوغ قتل هؤلاء مرة بالبغي ؛ ومرة  بتكفيرهم ، من ذلك ما قاله بعضهم مرافعا عن فساد هذا الجيش ، بأن كثيرا من (أصحاب الكشف كالشيخ محمد المهدي كان يسمي هذا الجهاد فسادا .. ويقولون : كيف يأمن أحد بعد قتل أبناء محمد راره ) ثم يحاجهم بقوله (وتعجم حجتهم بأن من مات من تنواجيو قتلهم الله ... ) وهكذا نرى أن "ابن العلقمي " فكرة سائرة في الزمن ما وجد طاغية أو غاز  على وجه الأرض ، فإنا لله وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

7- استحل الحاج عمر وجيشه هذه الدماء المحرمة بتأويلات كثيرة ، مثل تكفيرهم ، وقد صرح بتكفير أحمد لبو في إحدى رسائله ، كما صرح أحد فقهائه بتكفير أولاد امبارك ومن معهم ، وهي حجة كما نرى قديمة تستحل بها الدماء ، كما هو الحال  في تشريع حرب شرببه وغيرها ، وقد صرح أحد قادة أهل بهدل في باغنة في رسالة لأحد أعيان إيفلان بأنه فقط يتوقف في "شرعية الجهاد العمري ، ويشك في كونه جهادا ، وإذا صح عنده أنه جهاد فسينخرط فيه" وأنه "ما ارتد عن دين الله ولا ترك الإسلام " .. وفي رسالة للشيخ محمد الصغير بن إبراهيم "ابهاه" بن الشيخ بن أحمد بن عثمان ، بعث بها إلى أحد قادة الفوتيين  يسوغ فيها قتاله إلى جانب أولاد امبارك (إنما ظهر لأئمتنا الأعلام ، مخالف لما أنتم عليه من الأحكام ، لقولهم إن بلد السلطان بلد إيمان وأمان ، ومن معه من البيضان والسودان ، ناطق بالشهادتين في كل الأحيان ، وجلهم متمسك بقواعد الإسلام والإيمان والإحسان ، فمن كان هذا وصفه لا يجوز قتاله ، أحرى قتله وسبيه واسترقاقه .... فهذا ما حملنا على المحاربة في بلدنا ...) ..
8- لقد بايع جل أهل الحوضين ولعصابة وغيرهم  الدولة العمرية  ، لأسباب مختلفة ، منها : المذهبي كما هو حال التيجانيين في تيشيت وغيرها ، ومنها رجاء بسط الأمن لكونه يملك جيشا قويا ، ومنها الخوف على الأنفس والأموال ، كما هو حال الغالبية التي كان الجيش العمري يحاصرها في أقواتها ، حيث حبس مرارا رفاق المدن التي تحمل الميرة ، و"قد جعل الله أرزاق هذه المدن التكرورية في أرض السوادين" كما قال المحجوبي معلقا على منع ملك سيكو داع بن منزا الزرع عنهم فكادوا يهلكون ...

خلاصة القول : إن الحركة العمرية الفوتية يمكن وصفها بالجهاد أيام كان يفتح الشيخ الحاج عمر الممالك الوثنية ، أما حين حارب الكيانات المسلمة فقد أصبحت حركة توسعية ، عاثت فسادا في الأرض ، قتلا للرجال وسبيا للذراري ، واستعبادا للأحرار ، ونهبا للأموال ،  ولا يمكن في هذه الحال أن توصف حركته بالمجاهدة تحت أي تأويل ، والذي استفاد من اندفاع هذه الحركة وتحطيم الكيانات هم الفرنسيون وحدهم ، حيث أفسحوا له المجال وغضوا عنه الطرف حتى حطم تلك الممالك القوية التي كانت ستكون عقبة أمامهم ، حتى إذا وقع في الفخ ، وغرق في مستنقع الدماء ، هاجموا الدولة العمرية بقيادة أحمد بن الحاج عمر فدارت معركة كبيرة قتل فيها الألوف ، و"دوى فوته" وهربوا ، واحتل الفرنسيون انيور كآخر مراحل توغلهم في منطقة السودان المالي ...

والله غالب على أمره ، وهو وارث الأرض ومن عليها

الأستاذ : سيدي صالح ولد افاه

الكلمات المفتاحية : 

  • 0
  • 0
or

For faster login or register use your social account.

Connect with Facebook