جار التوجيه في 3 ثانية

© Image Copyrights Title

خلف لعبة "التغلغل والمصالح"

لا خلاف أن هناك معيقات حقيقة تعترض سبيل أي عملية تطهير إداري شامل تستهدف التخلص من الفساد ومرتكبيه. ومن تلك العقبات محاولة بعض المفسدين الاختباء خلف ما يمكن أن نطلق عليه "لعبة التغلغل والمصالح". ولكي تتضح الصورة يجب أن يتم تحديد هذه المصطلحات أولا بأول. 

ماذا نعني بالتغلغل، إنه منهج يعتنقه بعض من استمرؤوا الفساد، عبر انتهاجهم أسلوب التعمق في الإدارة، والارتباط الجوهري بمصالح النافذين فيها من غير المفسدين، بحيث أن الشخص الفاسد يسعى جاهدا لربط مصالح الآخرين به، حينما يقوم بتوظيف أقاربهم أحيانا بلا طلب، وخدمة مصالحهم بكثير من التفاني دائما بلا سبب، وهو أسلوب يسعى من خلاله المفسد أن يزرع  انطباعا لدى غيره بأن أي مساس به قد يشكل خطرا على ما تحقق لدى حلفائه من المكاسب في الأماكن التي كان يديرها، حتى وإن كان  ذلك خطرا ظنيا لا يوجد ما يعضده. لذلك يعمد من قد يجد نفسه عرضة للمساءلة إلى تحصين نفسه بهذا الأسلوب الذي سيظنه يشكل حائط صد أمام تعرضه للمحاسبة، حتى وإن تأكد ارتباطه الوثيق بعمليات فساد لا يرقى إليها شك ولا تنقصها بينة.

أما عن أسلوب تشابك المصالح، فهو يبرز بأشكال متعددة، بحيث يظهر منها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ولكل من تلك الاعتبارات ما يجعل إنقاذ المفسد مصلحة يجب السعي فيها بالوسائل المتاحة، لكن تلك المصلحة قد تتقلص إلى الصفر، وذلك حينما تكون حماية هذا المفسد ستضر بحلفائه بشكل أكثر مما كان سيجلبه عليهم إنقاذه من مكاسب.

المفسد لا يؤمن بالوطن ولا يهتم لأمنه، فالوطن بالنسبة له هو الثراء لا غيره، والأمن هو المال لا سواه، وهو لا يؤمن بوجود القانون ولا يخشى تطبيقه، بل إن سعيه دائما ما يكون خلف لعبة التغلغل والمصالح. لذلك فإنه إن وجد في تلك اللعبة من الحماية ما يريد، فسيستمر في انتهازيته التي تدفعه نحو الاستيلاء على حقوق الآخرين في معيشة أحسن، وتعليم أفضل، وصحة أشمل، وذلك حينما اقتطع لنفسه من أموال الدولة والشعب ما كان سينفع المواطنين لو لم تتلقفه يدا مفسد لا ذمة له ولا ضمير. أما في حالة وجد المفسد على أموال الشعب حارسا أمينا، فإن جشعه سيتقلص، وسعيه سيخيب، وبأسه يندثر، ويرجع بصره وبقية حواسه إليه خاسئا وهو حسير.

وصفوة القول أن قناعتي تتجسد أن المفسد يرى في المواطن العدو المبين، وفي ثروته المطمع الثمين، وأنه لم ولن يدخر يوما وسيلة في سبيل الحصول على تلك الثروة وبكل الوسائل المتاحة. غير أن رؤية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني تختلف، إذ أنه يستشعر القلق على مصير ثروة البلد ومستقبل الشعب، وذلك من خلال رؤيته في المفسدين وبالا، وفي مكافحة الفساد هدفا أسمى وغاية قصوى، باعتبار الفساد داء يجب حماية الأمة من تداعياته، سبيلا لتعزيز حصانة المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بل حتى الأمنية من تداعياته. كما تتأكد قناعتي أن هناك جهودا حثيثة تبذل من أجل معرفة المفسد من المصلح، وأن هناك خطوات تقطع بشكل متسارع في سبيل تحويل قرارات محاربة الفساد إلى فعل ميداني مؤثر، وذلك عبر فرز تغلغل المفسدين في مواطن تواجدهم، وتفكيك تشابك مصالحهم مع غيرهم، وإنزال العقوبة المناسبة بهم. لكن يحسن التنبيه إلى أن ذلك أمر ليس بالسهولة المتخيلة، بل إن فك طلاسم ثنائية التغلغل والمصالح وما تستلزمه من دقة وحنكة وحكمة قد يستغرق وقتا، بل ربما يحاول البعض أن يجعل منه عائقا - ولو نسبيا- أمام محاسبة المفسدين، لكنه عائق لن يصمد في وجه إرادة حقيقية جلية، تهدف لاستعادة أموال الشعب والدولة، ومعاقبة من سرقها أو كان سببا في ضياعها، سواء بحسن نية، أوعن سبق إصرار وترصد.

  • 0
  • 0
or

For faster login or register use your social account.

Connect with Facebook