جار التوجيه في 3 ثانية

© Image Copyrights Title

الساحل... الرهائن الإماراتيين على رقعة شطرنج النفوذ

تشهد منطقة الساحل الإفريقي واحدة من أكثر أزماتها تعقيداً، حيث تتداخل الخيوط الأمنية والسياسية والدبلوماسية وحتى الاقتصادية في نسيج كثيف، وفي قلب هذا المشهد، تبرز عملية اختطاف الرهائن الإماراتيين والإيراني بالقرب من باماكو، عاصمة مالي، ليس كحادث أمني معزول، بل كمرآة تعكس تحولات عميقة في موازين القوى الإقليمية والدولية، وتصارعات غير مرئية على السيطرة والنفوذ.

 

الوضع الأمني والسياسي: بيئة خصبة للاضطراب

لم تعد مالي، وجارتها بوركينا فاسو والنيجر، مجرد دول تعاني من هشاشة أمنية، بل تحولت إلى ساحة مفتوحة للصراعات الجيوسياسية، الانسحاب العسكري الفرنسي والأمريكي، وصعود نفوذ روسيا عبر الفيلق الإفريقي - الروسي، (مجموعة "فاغنر" الروسية سابقا)، وتطلعات القوى الدولية كـ(روسيا، الصين، إيران، الإمارات، تركيا) لملء الفراغ، كلها عوامل غذت بيئة من الفوضى المنظمة، في هذا الخضم، تتنفس الجماعات وعلى رأسها "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين " (JNIM)، الذراع المحلي لتنظيم القاعدة في المنطقة.

 

ولم تعد هذه الجماعات مجرد جهات مسلحة، بل أصبحت كيانات سياسية ذات حسابات معقدة، تتفاوض مع الحكومات أحياناً، وتضرب بعنف أحياناً أخرى، وتستثمر ورقة الرهائن كعملة سياسية وتجارية ذات عائد مرتفع.

 

عملية الاختطاف: حيث تلتقي المصالح المتشابكة

عملية اختطاف المواطنين الإماراتيين والإيراني قرب باماكو، في منطقة يُفترض أنها تحت سيطرة الحكومة، تثير تساؤلات كبيرة عن طبيعة العمل الذي كانوا يقومون به، التكتم الرسمي من جميع الأطراف المعنية يغذي نظريات المؤامرة. هل كانوا دبلوماسيين؟ مستثمرين؟ أم أنهم جزء من شبكة مصالح أكثر تعقيداً تربط دولهم بمالي الجديدة، حليفة "روسيا"؟

 

الوجود الإيراني، تحديداً، في منطقة نفوذ تقليدية للدول الغربية والخليجية وتركيا، يضيف بُعداً جيوسياسياً حاداً للأزمة.

 

بينما تبحث الإمارات عن دور أمني واستخباراتي أوسع في إفريقيا، عن طريق التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الارهاب، خاصة بعد أنشطته الأخيرة في باماكو ونيامي.

 

تفاصيل التفاوض: فوضى الوسطاء ومعضلة الخاطف

قلب الأزمة النابض يكمن في عملية التفاوض المتعثرة، والتي يمكن تفصيلها في عدة نقاط محورية:

- كثرة الوسطاء وتضارب المصالح: لم تشهد أزمة رهائن في الساحل وفي مالي خصوصا ربما مثل هذا الكم من الجهات التي تسعى للوساطة. هناك مبادرات وساطة إقليمية من شخصيات ذات نفوذ ورجال أعمال من (ليبيا، المغرب، موريتانيا، مالي، والنيجر) تتنافس على تعزيز نفوذها، ووساطات دولية (أوروبية وحتى روسية)، ووساطة رسمية من حكومة باماكو نفسها التي تسعى لإثبات سيطرتها على الملف وتعزيز شرعيتها.

 

- تردد جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين": هذا التعدد في العرض الوساطي ربما وضع الخاطفين في حيرة حقيقية، فهم يدركون أن اختيار وسيط يعني منحه شرعية سياسية هائلة، وقد يغضب أطرافاً أخرى ذات نفوذ في المنطقة من اختيار طرف دون الآخر.

 

لذلك تبحث الجماعة على ما يبدو، عن وسيط محايد وموثوق يمكنه ضمان تنفيذ أي اتفاق (كإطلاق سراح مساجين أو فدية مالية)، وتستخدم تأخير المفاوضات كاستراتيجية لرفع سعر الصفقة وتعزيز مكانتها كفاعل لا يمكن تجاوزه.

 

- صراع الوساطة وإطالة أمد الأزمة: المشكلة الأعظم هي أن هؤلاء الوسطاء لا يتعاونون، بل يتنافسون بشكل يشتت الجهود، يؤدي هذا التضارب في الرسائل وتعدد المسارات التفاوضية إلى إرباك الموقف وإطالة أمد الأزمة، جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" تنتظر بروز وسيط واحد قوي وموثوق، بينما الوسطاء أنفسهم، من خلال تنافسهم، هم السبب الرئيسي في عدم تحقق ذلك، مما يجمد عملية التفاوض ويطيل أسر الرهائن.

 

ومن شأن هذا الوضع المتعثر أن يزيد من حدة القلق لدى أسر الرهائن، مما يولد ضغوطاً متصاعدة تُمارس على الحكومة الإماراتية بشكل مباشر، والتي بدورها قد تنقل هذه الضغوط إلى حكومة باماكو. وتتمثل المعضلة الجوهرية في أن أي طلب محتمل من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بالإفراج عن سجناء كـ "بادرة حسن نية" قد يضع الحكومة المالية في مأزق كبير، خاصة إذا كانت المطالب تستهدف شخصيات ذات حساسية أمنية عالية، أو في حالة أكثر تعقيداً قد تشمل سجناء متوفين بالفعل داخل السجون دون الإعلان رسمياً عن وفاتهم.

 

هذا الواقع لا يعقد المفاوضات فحسب، بل قد يجعلها مستحيلة في بعض السيناريوهات، ويغذي دوامة من المماطلة وعدم الثقة، الأمر الذي قد يجعل الجانب الإماراتي أيضا يُفضل وسيطا محايدا يمكن أن يفاوض بعيدا عن تجاذبات ما بين مصالح باماكو والنصرة.

 

 

  • 0
  • 0
or

For faster login or register use your social account.

Connect with Facebook