من الغضب إلى المؤسسات: قراءة في خطاب بيرام حول تقرير محكمة الحسابات
2025-10-19 12:14:16يجب أن نُصرّ على أن يُؤخذ هذا التقرير — وهو تقرير رسمي صادر عن هيئة رسمية — بكل جدية.
ليس بيرام هو من يتحدث في هذا التقرير،
ولا المدافعون عن حقوق الإنسان،
ولا السنغاليون،
ولا الأمريكيون،
ولا الفرنسيون.
إنه الصديق المقرّب، والقريب والنسيب لرئيس الدولة، وهو رئيس محكمة الحسابات.
وهذا الرئيس صديقٌ حميم لوزير الداخلية، فهم من المقرّبين.
إنه صديقكم من أعدّ هذا التقرير،
وليس كُتيّبًا معارضًا كتبه حزب سياسي، ولا بيانًا لمنظمة حقوقية.
فلماذا إذن تم تأجيل هذا التقرير؟
لقد كنا ننتظر يوم الجمعة، كما وعد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
لقد وعدا بأن يوم الجمعة سيكون يوم الحسم، وأنهم سيعلنون العقوبات، وينشرون القوائم.
لكن الجناة معروفون!
إنني أوجّه نداءً إلى كل الموريتانيين والموريتانيات:
هذا التقرير لا يجب أن يكون مجرد واجهة لإرضاء المانحين،
بل يجب أن يكون بدايةً لنهضة وطنية!
وأدعو ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي إلى ترجمة النقاط البارزة من التقرير إلى جميع اللغات الوطنية، حتى يعرف المواطنون الموريتانيون — في المدن والقرى، أو الذين اضطروا للهجرة إلى الخارج طلبًا للقوت والبقاء — أين تُهدر ثروات البلاد.
يجب أن يعرفوا:
كيف تُنهب الثروات الوطنية وتُؤكل وتُسرق؛
كيف يُبدَّد ما يعادل عشرات، بل مئات المستشفيات،
وآلاف فرص العمل،
وطرقًا وجسورًا وسدودًا،
بسبب عمليات اختلاس تنفذها عصابة من المجرمين تستعمل الدولة للوصول إلى الموارد المخصصة للمواطنين،
ثم تُحوِّلها وتستهلكها أو تُخفيها في ملاذات ضريبية بالخارج.
يجب أن يعرف المواطنون ذلك.
تحليل الخطاب: من نم الغضب إلى منطق المؤسسات
إن خطاب بيرام — رغم بساطته الظاهرية، إلا أنه متقد ومُلتهب — يسير وفق منطق النبوءات الشعبية: يسمي، يفضح، ويوقظ.
فهو يدرك أن الفضيحة لا تكمن في التقرير نفسه، بل في تأجيله، في تعليق الحق، في انتظار “جمعة العقوبة” التي أصبحت رمزًا لتأجيل المحاسبة.
لكن ما يغفله بيرام، أو يتغافل عنه، هو أن منطق الرقابة العمومية له قواعده الخاصة:
فـ تقرير محكمة الحسابات ليس حُكمًا قضائيًا نهائيًا، بل مرحلة من طقس إداري طويل.
ففي كل الديمقراطيات، لا تؤدي تقارير المحاكم العليا إلى عقوبات فورية، بل تُطلِق سلسلة من الإجراءات:
تحقيقات، مقابلات، ردود مكتوبة، ثم عقوبات إدارية أو قضائية.
بعبارة أخرى، التقرير إشارة إنذار، وليس سيفًا قاطعًا.
إن مؤسسات الرقابة تعمل بإيقاع الأرقام والإجراءات لا بإيقاع الغضب.
فهي تخضع لـ”طقوس الإثبات” لا لـ”انفعالات الشارع”.
وعندما يعلن الوزير الأول أن يوم الجمعة مخصّص لنشر القوائم، فذلك يعني أن المصالح الفنية يجب أولًا أن تتحقق، وتُبلّغ، وتُرسل البيانات المستخلصة من التقرير وفق التسلسل الإداري.
وبحسب المعطيات الرسمية، فقد أكد الناطق باسم الحكومة أن تلك القوائم قد تم بالفعل تسليمها، مما يفتح الباب أمام تنفيذ الإجراءات المقررة.
هذا الإيقاع الإداري — إيقاع الانضباط والتراتبية — لا يمكن الخلط بينه وبين إيقاع النضال الشعبي، القائم على الانفعال والخطابة.
ورغم أن خطاب بيرام قوي من الناحية الأخلاقية، إلا أنه يفتقر إلى العمق التقني.
فهو، باعتماده على بلاغة الغضب، يغفل عن البنية المؤسسية لآليات المحاسبة العامة.
وكان سيكون أكثر إقناعًا لو استند إلى تحليل هيكلي، يوضح الفوارق بين إعداد الميزانية، وتنفيذها، ومراقبتها، والتصديق عليها.
وبصفته الثاني انتخابيًا في المشهد السياسي الوطني، فإن على بيرام أن يُحيط نفسه بخبرات في التواصل والمالية العامة،
ليس لتخفيف حدّة خطابه، بل لرفع مستواه:
حتى تتحوّل الصرخة إلى حُجّة، والإدانة إلى سياسة دولة.
محمد ولد الشريف الشريف
- 0
- 0