جار التوجيه في 3 ثانية

تتواتر الزيارات بين كبار المسؤولين الموريتانيين والإسبان بشكل لا فت خلال السنوات الأخيرة، في تعبير عن شراكة توطدت بين نواكشوط ومدريد أساسها وجود رؤى متقاربة ومصالح مشتركة بين بوابتي أوروبا الغربية وافريقيا الغربية.

في زوم الصحراء هذا الأسبوع نتوقف مع مسار هذا الشراكة في ضوء الزيارة الأخيرة لوزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين، نستعيد قراءة مجال الشراكة ونستجلي آفاقها.

مسار الشراكة..
ليست العلاقة جديدة بين موريتانيا وإسبانيا البلدان الجاران؛ فالمسافة بين نواذيبو وجزر الكناري أقرب بكثير من المسافة بين عاصمتي البلدين؛ وعدد من مدن الأطراف فيهما، لكن الجديد في العلاقة هو تسارع الوتيرة؛ وتبادل الزيارات على أعلى المستويات (زار الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إسبانيا مرتين خلال السنوات الأخيرة؛ وكذلك فعل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، وقد وقع الطرفان سلسلة اتفاقات غطت مجالات حيوية في صدارتها:
- قضية الهجرة التي تمثل هاجسا للبلدين (تمثل موريتانيا نقطة عبور حيوية لإسبانيا فقوارب الموت كثيرا  ما أبحرت من المياه المياه الموريتانية في اتجاه الجزر الإسبانية).
- ⁠قضية الأمن في الساحل، فمع أن موريتانيا تعيش حالة استقرار على خلاف جوارها في دول الساحل؛ لكن الخوف من وصول تداعيات الوضع المتفجر في المنطقة إليها جعل التقدير الاستراتيجي الأوروبي يعتبر سلامتها من عدوى الساحل أولوية أوربية.
- ⁠وبالطبع هناك جوانب التعاون التقليدية في المجالات التنموية والتجارية والثقافية والسياحية والاقتصادية، وهي مجالات تظل مهمة وحاضرة في تعزيز العلاقات وترسيخها.

فوائد متبادلة 
لعل من أسرار تسارع وتيرة تعزيز العلاقات بين البلدين وجود فوائد متبادلة جلية:
- فمدريد كسبت تراجعا ملحوظا في عدد المهاجرين غير الشرعيين (ذكر وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي أن التعاون مع موريتانيا مكن من منع 3500  محاولة هجرة غير نظامية، وأن وصول المهاجرين إلى جزر الكناري تراجع بنسبة 59٪؜،  وهي مكتسبات يقول الطرف الإسباني إنها تمت من خلال:
- ⁠وجود فرق من الحرس المدني والشرطة الإسبانية في نواكشوط ونواذيبو.
- ⁠وأيضا من خلال الدعم المقدم لخفر السواحل الموريتاني بزوارق ومعدات اتصال متقدمة.

أما موريتانيا فقد كسبت من خلال مسار التعاون مع مدريد دعما في مجالات:
- تدريب وتأهيل لقطاعات الشرطة وخفر السواحل.
- ⁠اتفاق في مجال استقبال العمالة في المجال الزراعي.
- ⁠ودعما معتبرا لمشاريع وبرامج تنموية.

تحديات مشتركة..
إلى جانب المكتسبات المشتركة هناك تحديات قائمة كذلك:
- تواجه الحكومة الإسبانية انتقادات فيما يتعلق بأسلوب التعاطي مع المهاجرين وسد البوابات أمامهم.
- ⁠كما تواجه الحكومة الموريتانية انتقادات باعتبار ما تقوم به أقرب ما يكون لحراسة الحدود الأوربية نيابة عن الأوروبيين أنفسهم.
- ⁠وهناك خطر ثالث يواجه الطرفين معا؛ وهو أن قوة ووضوح تنسيقهما بقدر ما يحد من الهجرة؛ ويعزز الأمن، قد يدفع بعض الجهات لتصنيفهما في دائرة العداء؛ مما قد يغير معادلات الاستقرار في "البوابتين".

ختاما؛
تتوج زيارة وزير الداخلية ولد محمد الامين لإسبانيا مسار علاقة تعزز بفعل وجود مشتركات صلبة؛ وإرادة لدى الطرفين بتعزيز الشراكة؛ وتبقى القدرة على إدراك التحديات والنجاح في التغلب عليها مسبار اختبار مسار مدريد نواكشوط الذي هو في الواقع عنوان فرعي من مسار أكبر؛ مسار علاقة موريتانيا بأوروبا وعلاقتها بالجوار الجنوبي؛ وتموقعها في صراعات الساحل واستراتيجيتها للنجاة من حرائقه الآخذة في الاتساع.